الـودق ( الجزء الثامن عشر)/ للكاتب عبد الكريم الزيدي / العراق .............
الـودق
( الجزء الثامن عشر)
................................
كان لهذا اللقاء موعدا لنهايته مثلما كان ذلك لبدايته فالاثنين على موعد معه ولو بعد حين ، ولم يكن خافيا او مكنونا و ( جواد) مثلما هي ( لهيب) يحفظ ساعته ويومه فالميقات هو ذاته المكان الذي التقيا فيه وان ظل كلاهما لا يستطيع ان يبوح به ، الا ان اقتراب أجله بات أقرب مما في خيالهما وأدنى من مناص انكاره ، قال ( جواد ) بصوت كاد ان يكون همسا :
عليّ ان اجهز باكرا لتأمين النقل الى المطار واذهب إلى حيث اقتطع تذكرتي النقل من المدينه إلى العاصمة حيث المطار .
قالها وشفتيه ترتعشان ألما وحسرة وهو يبتلع لسانه الذي جفت اوصاله .
هكذا اذن .. ازفت الساعة وجاءت بالذي كنت اخافه واتنكر في ذكراه ، قالت ( لهيب) وقد أحتقنت عينيها واحمرت وجنيتيها وتصاعد لهيب نفس زفرة شهيقها وتعطل كل شي حتى بانا كأنهما شبحان في وسط الضياع .
لملم ( جواد) ما تبقى من خيال ظله وراح يصارع بوجع أنفاسه ما يحافظ بها على توازن ذاته التي كادت ان تنهار لحظة رؤيته لوجه ( لهيب) الذي اعتراه ما كان من اسىً وذبول ويداه ترتجفان حيرة وأرتباك وصار يمثل دورا ثانويا في مسرحية اسدلت ستائر عرضها وغادرها جمهورها دون عودة ، أردت أن اطلب منك أوراقك فأنا لا أجدها بين أوراقي في الحقيبة الصغيرة التي اعتدت ان احفظ فيها كل المستمسكات ، قالها ( جواد ) بصوت خالجته عبرات الألم والحيرة وقد أدار وجهه عنها خوف ان تفضحه آثار التيه والضياع وأمارات الذهول والانكسار ، انها أمامك وبين يديك يا حبيبي ، ردت عليه ( لهيب) وكأنها أرادت ان تمحو من آثار هذا اليتم في الأيحاء ما أمكن وهما في هذا الحال ، كم انت جميلة يا حياتي ومعاني الرضا والخضوع على مبسم فاهك قال لها ( جواد ) وليستدرك قليلا ويعاود القول :
هل تحتاجين شيئا آتي به عند عودتي فأنا ساكون وسط السوق والبلدة ، أريدك انت وانت فقط لا غير قالت ( لهيب) وحاذر في الطريق وانتبه لنفسك ولا تتأخر في العودة فأني قد بت بحاجة لوجودك معي أكثر من أي وقت سبق .
لم تمض الا ساعة لتسمع ( لهيب ) خطوات ( جواد ) يدخل عليها وهي منهمكة بإعداد الغداء في مطبخها المتواضع ، السلام عليكم قال ( جواد ) وعلى شفتيه ابتسامة حاول جاهدا ان يصطنعها وهو يدخل باب العش الذهبي وقد قطع تذاكر باص العودة إلى العاصمة حيث مطارها الذي فتح بسخرية أبوابه ليستقبل من ضيوفه من عزم العودة ومغادرة بواباته التي تعدت في اعدادها العشرة بقليل وليختم بها رحلة كادت ان تكون حلما جمع قلبين ما كانا ليلتقيا لولا القدر الذي أراد لهما هذا اللقاء ، ردت ( لهيب) بوجه خالطته الفرحة واللهفة وشيئا مما كان يوجع ذاكرتها التي ما فتئت تعاود ألم الفراق المحتوم ، حللت اهلا ونزلت سهلا والحمد لله على سلامتك ( جواد) .
هنا ساد شيئا من الصمت واطبقت صفائحها دقائق الوقت التي صارت تمر سريعا كأنها سرب طيور هاجرت مواطنها من غير شدو إلى حيث يسوقها القدر ، ليلتفت (جواد) ثانية إلى حيث تقف ( لهيب) ويقترب في عناق احتضن كل مسافات الزمن واستحضرها في ثانية كانت هي العلامة على سفر ما عاد ينتظر طويلا ولتبدأ من جديد تلك الثواني القادمات لتدق بألم جرس الفراق .
................................................
عبد الكريم احمد الزيدي
العراق / بغداد
تعليقات
إرسال تعليق