قصة قصيرة " حسن و أمين "/ للقاص أحمد جبار الجوراني / العراق.................
قصة قصيرة " حسن و أمين "
قصة طفولة وبيوت قرية خربة من رحم المحنة والحرمان من رحم المعاناة تولد مواقف الرجال .
من الطفولة والقرية الى الشيخوخة وصخب المدينة من تحت الركام تولد قرية حدودية لتنجب جيلآ من العطاء وأدامة الحياة الكريمة بكبرياء .
حسن وأمين
في قرية هادئة صغيرة جميلة بيوت شامخة رغم قدمها وعبق تاريخها الموغل بالقدم ورائحة جرف النهر الصغير الصخرية كأنها المسك والعنبر اجتمعا ، وتلك الاسماك ترقص كأنها في عرس أسطوري ، طيور ملونة جميلة تزورها كل ربيع .
قرية حدودية في أقصى شمال الوطن ، رجال ونساء وأطفال جميعهم يعيشون في قرية كأنها قطعة من الفردوس الأعلى ، ببيوت من أحجار ملونة مزينة بأبواب وشبابيك من أجود أنواع الخشب الجبلي وأعطره رائحة .
ولد " حسن " لأسرة صغيرة متواضعة تمتهن الرعي وهذه مهنة أغلب من في القرية ، كما ولد أبن جاره " أمين " بعد شهر أو أقل على ولادة " حسن "
مضت سنوات خمس على ولادتهم وبدأ الصبيان يخرجان في باب دورهم ويلعبان ويركضان ويضحكان بكل براءة وعفوية ، وما إن أشتد عودهما وقويت أرجلهما أصبحا يخرجان مع أبويهما وأخوتهما للمراعي بين سفوح الجبال والاودية المحيطة بالقرية حيث الأرض الخضراء وعيون الماء الجيدة ذات الوفرة والغزارة .
(١__٣)
...........
ألتحق الولدان إلى مدرسة القرية لتعلم القرأة والكتابة ودروس في العلوم والحساب وبعض الأدبيات الثقافية .
تميزا بحسن الفهم وسرعة البديهة قياسآ بأقرانهم من الأطفال في سنهم .
كبر الولدان وعملا سويآ في حقل كبير خلف الجبل يملكه قريب لهما ، وكانا فلاحين جيدين ويعرفان كيف يديرا الحقل الكبير ومرفقاته من حضائر الأغنام والخيول والبغال والطيور الداجنة لأغراض التجارة .
قاما بأنشاء مجموعة جيدة من المناحل وأختيار الأماكن ونوع حشرات النحل المنتجة وكل مايتعلق في مجال تربيتها من متطلبات .
أثناء نهاية فصل الصيف وقرب فصل الخريف حدثت مشاكل على مستوى دولي بين دولتنا وأحدى الدول الجارة ، خلافات سياسية مفتعلة عالميآ .
تهافت الدول للتأييد والأنقسام والتحفظ ، قصف ومناوشات مدفعية ، طيران عسكري مسلح وتجسسي ، مبادرات تهدئة وأجتماعات في مراكز القرار بعيدآ عن الحدود ومناطق الصراع .
هرب الأهالي من القرى الحدودية تاركين ورائهم كل شيئ ، هرب الجميع بملابسهم وكل ماخف حمله كمايقال تاركين أرضآ وشوقآ وحنينآ ، تاركين جذور وأصالة وتاريخ مئات السنين .
قرية كاملة أحترقت بمن فيها ولم ينجوا غير عدد من البيوت المتفرقة هنا وهناك ،. كانت القرية مقامة على ممر جبلي ذات موقع أستراتيجي مهم جدآ للطرق التجارية شمال الوطن .
حسن وأمين غير متزوجين هربا سويآ الى مركز المدينة الذي يبعد عن القرية مائة كيلومتر تقريبآ ،
باحثين عن مأوى ثم عن عمل وبأي أجرة كانت لكسب قوت يومهم وتأمين أجرة السكن .
وجدآ عملآ بسيطآ " حسن " عمل حارسآ لأحد مساجد المدينة ، و " أمين " عمل في مكتبة كبيرة لبيع وتوزيع الكتب والصحف اليومية والمجلات .
(٢__٣)
..........
بعد سنة تقريبآ تم أستدعاء الشباب للخدمة العسكرية لضروف طارئة تواجه البلاد .
ألتحق " حسن و أمين " إلى معسكر التدريب وهناك بعد شهرين تم نقلهم إلى وحدات عسكرية على الحدود الجنوبية ، ومع أحتدام المعارك سنة تلو الأخرى ، ما إن أنتهت السنة الخامسة من الحرب المستمرة وأذا بهجوم بري جوي يشتد بين طرفي النزاع .
أصيب " حسن " أصابة بليغة وأخلي إلى وحدة الميدان الطبية لأخلاء الجرحى في الخطوط الخلفية لتلقي العلاج ، نقل بعدها إلى المستشفى العسكري في مركز المحافظة ، أصيب حسن ببتر أحدى ساقيه وتشوه وجهه الجميل لأصابته بحروق بالغة الخطورة من جراء أحتراق ملجئه العسكري أثناء أصابة مباشرة للقصف المدفعي المركز .
أخرج بعدها من الجيش وأحيل الى دائرة اللجان الطبية ومعوقي الحرب بصفة معوق حرب دائمي غير صالح للخدمة العسكرية .
بقي " أمين " في الخدمة العسكرية حتى أنتهاء الحرب بعد عامها السابع ودخولها العام الثامن ، وبقي في هذا الأثناء يعتني بأعز أصدقاء عمره وطفولته أثناء نزوله الى بلدته للتمتع بأجازته الدورية الأعتيادية .
تم تسريح الجيش والعسكريين الذين كانوا بصفة مكلف وأحتياط .
عاد أمين الى مدينته وصديقه الوفي حسن .
ماهي إلا أشهر معدودة وإذا " حسن و أمين " يشدان الرحال إلى قريتهم الأم القرية المنكوبة المهجورة منذ مايقارب الثمان سنوات .
عاد عدد غير كبير من العوائل الناجية أو بعض أفرادها من تلك الحرب وبعد سنوات طوال بدأو ببناء بيوت صغيرة لهم على ركام بيوتهم المهدمة القديمة .
أشرقت شمس صباح يوم شتائي ملبد بغيوم متفرقة دافئة وأجواء هادئة في القرية الصغيرة التي ولدت من جديد ودبت فيها الحياة .
أنجز أمين بناء بيت صغير له ولصديقه حسن ، عاشا سويآ أخوين مخلصين لبعضهما .
تزوج أمين من أحدى نساء القرية وصار له أطفال أخذ الجميع يتسابق على خدمة عمهم الطيب حسن .
فتح حسن دكان عطارة صغير قريب جدآ من البيت ثم تزوج هو الآخر من سيدة محترمة من نفس القرية .
بعد عناء وفراق ومشقة دامت سنوات طوال قد تصل الى الخمسة عشر سنة منذ تركهم العمل في الحقل حضر الى القرية رجل عجوز مع وليه الشابين يبحثان عن حسن وأمين وتم التعرف عليهما فور وصولهم الى القرية ، وفي صباح اليوم التالي رحل حسن وأمين وعائلتيهما الى القرية التي كانا يعملان بها قبل الحرب ، وهناك أكملا بقية حياتهما الريفية السعيدة الهانئة بأمن وسلام .
(٣__٣)
انتهت
الكاتب أحمد جبار الجوراني
العراق
تنويه :
الأسماء في القصة أفتراضية وليس بالضرورة أن تكون حقيقية .
تعليقات
إرسال تعليق