رواية في الطريق إلى الأضواء " الثامنة بعد السماء" للأديب الفلسطيني د.ماهر عواد الطردة دراسة نقدية قبل النشر ... الناقد د.عباس الجبوري // إدارة مؤسسة فنون الثقافية العربية / العراق ,,,,,,,,,,

 رواية في الطريق إلى الأضواء

" الثامنة بعد السماء"
للأديب الفلسطيني
د.ماهر عواد الطردة
دراسة نقدية قبل النشر ...
الناقد د.عباس الجبوري // إدارة مؤسسة فنون الثقافية العربية
الرواية هي ملحمة عالم بلا آلهة..! وﻓﻦ ﺳﺮﺩﻱ رفيع ﻣﻦ ﺧﺼﺎﺋﺼﻬﺎ ﺍﻟﺘﻜﺜﻴﻒ ﻭﺍﻟﻘﺒﺾ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﻠﺤﻈﺔ ﺍﻟﺰﻣﻨﻴﺔ ﻭﺍﻻﻗﺘﺼﺎﺩ ﺍﻟﻠﻐﻮﻱ ﻟﻠﺘﻌﺒﻴﺮ ﻋﻦ ﺍﻟﺘﺤﻮﻻﺕ ﺍﻻﺟﺘﻤﺎﻋﻴﺔ ، ﻭﺗﻔﺎﻋﻞ ﺍﻟﺬﺍﺕ ﺍﻟﻤﺒﺪﻋﺔ ﻣﻊ ﻣﺤﻴﻄﻬﺎ .
يمتاز كل زمن بأسلوب خاص في السرد يعبر عن روحه وقيمه ...وفي رواية " الثامنة بعد السماء "
والتي يرى فيها أن مسار التاريخ الإنساني ليس سوى مسار لتطور الوعي البشري، وبذلك يضع هيغل الرواية في مقابل الملحمة، فالأخيرة هي "الصورة التعبيرية عن الوعي في المجتمع ،ولقد عرف الأدب العربي أشكالا نثرية متعددة من مقامة، وخطابة، وخبر، وحكاية عجائبية، ورحلةفي عالم الأدب ، ولم تقف الأشكال النثرية في تطورها عند هذا الحد، بل ظهرت فنون نثرية جديدة نتيجة ما حصل من تطور ثقافي واجتماعي وحضاري، حيث أثمر هذا التطور فن الرواية والمسرحية والقصة والقصة القصيرة، وفي وقت متأخر الرواية القصيرة جداً ... وقد ظهرت الرواية القصيرة أيضاً نتيجة عدة عوامل معاصرة ، ولكل تجربة روائية لصاحبها... الذي نتناوله اليوم الأديب الشاعر ماهر عواد الطردة ...
٠غالبا ما يكون هناك تمازج بين علاقةحميمة في الرواية تلاقح بالتراجيدي والدراما، لأنها لا تستوطن إلا شقوق المأساة، ولا تستظل إلا بالظلال الكئيبة من مشاكل الحياة سواء كانت اجتماعية ، عاطفية ، ولا تستسيغ إلا الإقامة في الزوايا المظلمة للنفس الفردية ولمخيال الجموع، وما يتغلب على بيئة الكاتب من مخاض ... فيشار إليه بالموسم الأدبي، أو الفترة في التاريخ، وتمثل البيئة الاجتماعية ما تحتله شخصيات الرواية من موقع اجتماعي للأحداث كمدخل ، ويمكن طرح عدد من الأسئلة أثناء تحليل هذه الجوانب، مثل: أين ومتى حدثت الرواية..؟
كيف تؤثر البيئة الاجتماعية في أحداثها وشخصياتها؟
هل توفر لهم هذه البيئة الرضا أو السعادة أو المتعة؟.كما إن الكاتب يشير إلى نظم الرؤيا الروائية او ما يسمى بالنغمة أو الأسلوب إلى موقف الكاتب تجاه ما يكتب عنه، ويمكن معرفة ذلك بتتبع المصطلحات والكلمات المستخدمة، فإما أن يكون أسلوبه صارمًا، أو تهكميا، أو سياسيا، أو روحانيا، أو اجتماعيا صرفاً لهذا نرى الرواية تستكشف جغرافية الالتذاذ بالحياة والموت، وبصناعة أماكن انبثاق التهوس بالعوالم البديلة للعالم الحسي المُشاهَد.. ليس إشكالية الرواية إلا حقيقة احياناً ،هي حقائق من عالم الانتحار الطقوسي، بل معانِقة احتفالية للحياة وصناعة مشهدية متقنة للكينونة وهي تصنع النجاة بالدم المراق وبالأجساد المحترقة وبالرعب المعمم...
لا يأتي ذلك من المجهول، بل تبنيه الطوبى تدريجيا، ليحصد الجميع في طقسية مشهدية حقيقية لا تخلو من الاستعراضية. لم يعد الحزن إشكالية أنطولوجية بل طوبى ميتافزيقية. ولا يأتي الشجن والامنيات الضالة من بعيد، بل تنبثق من كوى الذات والقلب المنهجي للقيم ومن قيعان مخيلة قيامية جامحة عايشها الكاتب في هذا المقطع من مدخل الرواية :
(كأنَّنِي.. بلْ إنَّنِي .. لا لا بلْ كأنَّها عشرون عرساً تقامرُ في دمي
قريبة بعيدة ..قوية ، ضعيفة ، بهيّة ، ذكيّة ، جميلة، جميلة )
يجسد المقطع الإنسان الحديث القوى الأكبر القادرة على تسيير حركة الإنسان والطبيعة، وإنما بات العالم -من منظور هذا الإنسان- ينتظم وفق قوانين عقلية
احدثت التناقض في رغباته وسلوك ومعاناته ...
( أنا ما كنتُ أنوي قصيدة ، هي من علّمتني كيف يطير الحمام
حمامة تشربُ في السرّ صوتي وتَحْقِنُ جلدي بالعطش
كأَنْ تُؤثِّثُ الليل في عيني .. وأرتّبُ لها سرير الرؤى بما يليق بامرأة أنثى ، سماوية بعمر البهجة واللهفة والعمق والشبق ..)
في مستهل الرواية، نتج عنه تنوّع في الدلالات الفنية للمرأة، فعلى غرار أن نموذج المرأة البطلة موجود في أغلب الروايات إلا أن المرأة كنموذج تحمل عدّة دلالات يوظّفها الكاتب من أجل توصيل قضايا وأفكار إلى القارئ واستخم الأنثى بالمعنى . كما بنيت دلالة المرأة في الرواية العربية على جملة من الأفكار والأبعاد الرمزية، التي ارتبطت بفكر الكاتب ورؤيته الاجتماعية .
(كل قرابين السماء أحملها الآن على كتفي.. كل الرؤى تغتسل الآن في عيني.. تشعل أصابعها ، وتتمدد الآن في صمتي اقتربتُ خطوتين من قلبي ،أمضغ من شفتيها تفاصيل اسمي ولون دمي..)
إن الإشارة الخفية التي يوحي بها د. ماهر الطردة ،، سمو الأنثى المقدسة في السماء والأرض بإستخدام الرمز في قوة السماء وتقديس الأرض التي يحملها على كتفه وفي عينه ...أنها فلسطين الحبيبة...
( كلانا يشعر بالنقص ويرى التمام في الآخر القريب البعيد
هل عثرنا على ذلك الشيء المفقود وصار علينا أن نستعيده بنهمٍ وقوةٍ وإصرار ..؟!
أم أنّها دهشة الشّبهِ العالي تستريح على ضفتين من صراخ
طويل ..؟! )
إن الحافز في هذه الرؤيا يؤكد فيها الكاتب على الرمز في منطق رواية الأرض الفلسطينية يتّسم بالسّمات نفسها التي ميّزت مثيله في الرّواية العربية المعنية بقضية فلسطين، أي بترجّحه بين شكلين: الرّمز المهيمن على مجمل الوحدات المكوِّنة للمحكي الروائي: الأحداث، الشّخصيات، البيئة أو البيئات، الزّمن أو الأزمنة، وربّما اللغة أحياناً، والرّمز الذي يتخلّل بعض تلك الوحدات، ثمّ بندرة المستوى الأول للسبب نفسه الذي ذهب إليه الروائي من داخله بشكل فلسفي يحرك الساكن من العقول
أمّا عن "سلمى" ما قرأتُ أجمل من عينيها رواية ، ولا مررتُ بقصيدةٍ أعظم من صمتها.. لمْ تكن " سلمى" عادية ، ولم تكن استثنائية عادية..
سلمى ابنة السماء وأنثى الحلم والحيرة
عادتْ هي الأخرى هبطتْ معي ترتدي قناعها البشريّ كما فعلتُ أنا تماماً..
افترقنا هنا .. وبقينا هناك نتلو قرآن عودتنا
سلمى اختصار الحب والفرح، تُسْرِجُ الرّوح بالأماني وتغفو بلاقدر حزينة..
بلغت الرمزية المطلقة اشدها في النص بجناس شعري نثري، لأن الكاتب الشاعر لا يتخلّى عن هواجسه الشعرية في روايته كما يرسمها في هذا المقطع الرمزي الإيقاعي :
نحن لمْ نكن منذ البدء هنا ، نحن كأي شيء جئنا
ربما صدفة جئنا ..!
كأن يَشدّك الانطباع الأول لشيء ما.. !
كأن تعجبك مزهرية محشوة بالغيم مثلاً ، أو قطعة أثاثٍ فاخرةٍ ، أو عنوانٍ شيّقٍ على غلافٍ مزركشٍ لكتابٍ سماوي وقع صدفة أمام ناظريك فظننته أرضياً .. ليشعرك بنشوة التملك والحيازة .
فهل قرأتني ؟!
هل نظرت يوما في عيني؟!
الرواية مولود فكري جاد ،يستنطق الجوارح ، بمسحة البيولوجي وتقريب الفناء من الذات ومن الجمع. إنه نوع من حصد الخيرات بأدوات أخرى!! والكاتب النموذج يجسد خلجات فكره الباطن والظاهر في الجواهر التي يكتبها للقاريء لابعاد ما وراء الواقع ...
هنا استطاع الكاتب ماهر عواد الطردة أن يختار بحسية عالية الظواهر الكونية والمحسوسة في المشهد الروائي ( الشمس ،الصباح ،) ،(قناديل الغيم ، عشب الروح ، ظلّ البنفسج ) إن هذا الوهج الروحي في المتخيل القيامي، ينزاح عن الذاكرة التاريخية الاستعادية ( للذات) والذاكرة المفتتة لما يجري من احداث الحياة البيئية اليومية وتمكن من تشييد أسطورته الفلسطينية القيامية النصية بمستوى إنساني عام ، بعيدا عن الأسطورة المرممة الجاهزة، وليس بعيدا عن سردية التاريخ المستملك وسردية التاريخ المتحرك بين مثالية وواقعية وهو يرسم الاستعادة الحالمة وواقعية نثرية قابلة لوضع التفكيك النقدي التي يستهويها الناقد ..
استطاع د.ماهر الطردة بحرفية رصينة أن يسيطر على المشاهد بشكل خفي على التركيبية التثاقفية بتعيق ثقافة تقديس الثنائيات الميتافيزيقية وعشق الحياة الجميلة ، بإستخدام عناصر الدراما ومن تراكب الحوافز والغرائز والأزمات، إنه محو معلن للتشابك والتراكب والتعارك، والتحاق فرح بعدم امتلائي. مشيرا بشكل خفي الى الحال الواقع، وما يتخلله من عملية محو منهجية للثقافة أي لحصيلة التفاعل بين الإنسان والطبيعة، بين الإنسان والزمان المر، بين الذاتية والتأملية إلى السماء . من خلال مقطعين فيهما نوع من أوجه التشابه وإن اختلف الهدف:
(لا زلتُ أشربُ من صوتك اسمي ، أسرق من عينيك وقتي وأنتصبُ في جلدي ، أتَذوقُ حلوى الأبدية)
إنه انسياق عاطفي للذات ....
ثم (ثمّة شّمس قادمة تعلن صباحاً أرضيا ،لتنذر الرؤى بالتلاشي ثمّ على مهلٍ تنصهر قناديل الغيم شيئا فشيئا، تسيل على عشب الروح وتبدد ظلّ البنفسج ..)
إنه تمقطع تحولي لإحداثيات التلذذ، لأمداء التمتع، لزمانية الانتشاء ،لا تخترقها سهام الزمان، ولا تنالها ظلال التقطع ..بمثابة نقل النص من حداثة التحقق، إلى قيامية الافتراض.
وهنا( ستشرق ملامح الحيرة من جديد ، لتوزّع بريد الغياب على عجلٍ وتعجُّ التفاصيل بالعطش والفوضى لنأخذ حصتنا من القهر والتّعب
سنفترق عن ظلّنا السماوي ونهبط رويداً رويداً..)
في إنسيابية روائية فريدة جسد الكاتب تقاطع هذه العوالم وتداخلها، عن طريق الألاعيب الفنية المتنوعة التي وظفها كي لاتضيع من ذلك تجسيد نظرته الخاصة والأصيلة إلى عمق مشكل الإستقراء من واقعنا المعاصر، وقد أعلن عن موقفه تخييليا عبر بناء فني درامي متماسك، وقف عند تراجيدية إنسان عصر العولمة الذي تحول إلى إنسان قلق متوتر .
الأديب والشاعر د. ماهر الطردة إختلق بشكل ذكي –التكثيف التشخيصي بقصدية أصفها بومض بعد برق .. وضح ذلك ، ليشير أن نصه الروائي ،لا بد أن يأخذه النقاد بدراسة نقدية حديثة عن الرواية في هذه المرحلة ، مما ولَّد لديّ الميل لهذا الجنس الإبداعي فتناولت سابقاً عدة من ادباء الرواية والقصة العرب المبدعين مثل التونسية الاديبة فاطمة محمود سعد الله ،والكاتبةالروائية السورية أمل شيخموس والأستاذة د. هيام ضمرة من الأردن ومن المغرب الأقصى عدد من المبدعين الذين ينطبق عليهم ما ورد في محتوى الكاتب الطردة ، لكنه اضاف نكهة جديدة .. بالتحديد القيم للجمالية في المعطى الروائي ببيان المدلول :
(تراودنا كل أشياء السمو للخروج من النمط الباهت ، للتحليق العالي ، للفضاء المستتر البعيد ، والكينونة القريبة ...
نَعُضُّ على قلوبنا كلّما شاءتْ الأشياء ونَدُسُّ في الرؤى شيئا من نداء ..)
وأيضا:
(فاضتْ الشّمس على النوافذ وابتلتْ الستائر بالضجيج
الآن كل الأشياء في تمام حضورها باهتة عادية تقليدية تكرر نفسها ..
بعد قليل سيدقّ جرس المنبّه يقلق نومنا ، ليعلن بداية يوم حافل بالمهمات والتّعب.)
كذلك :
(كالعادة خلف الباب هدير السيارات يمسح هدوء الشوارع ، ودخان المصانع يعجن الهواء بالغبار .. وصوت جارتنا يلاحق عبث أطفالها بأثاث البيت وأشياء المطبخ .. )
لاشكّ أنّ الكاتب في الحوار المختار هنا ، آثر الظروف الاجتماعية والاقتصادية والثقافية ، وما آلت إليه من وضع مزرٍ، دفع الإنسان إلى القلق وعدم الاستقرار والأمان ، موضحاً الفراغ الذهني والضجيج وعدم السيطرة على الحياة التي تعكس فوضى المجتمع ...
فاعقبها بحوار لطيف:
(بائع الحلوى يغسل صوته ويستعدّ للنداء وأطفال الحيّ يمسحون بقايا النوم العالقة على عيونهم
الجميع يرتب الصباح على طريقته وللمساء طقوس أخرى ،يتشابه فيها الجميع
أو أقل قليلا...)
انغماس الكاتب في الحياة الاجتماعية والفكرية، يغني الرواية بالموروث الشعبي، في هذهِ بالذات يُمكِّن القارئ أن يَفهم الكثير، ويتمتع بما هو معقول من أحداث وصراعات وتحديد المواقف، وأن يكتشف أصول وجوهر الفكر المتقدم بإستذكار مضامين الحياة الشعبية الأصيلة ....
الذاتية المباشرة :
(أمّا عنّي ، كالعادة براحتيّ المملوءتين بالنّعاس أزيحُ عن عيني بقايا الليل ، وآثار الحلم والأمل ،أقبضُ ولاعتي وأشعل قلبي وعقلي .. خمس دقائق أعكِّرُ فيها مزاج غرفتي بدخان السيجارة الأولى ، منتظرا كوب قهوتي الذي أتمّمُ به لحظة الإستعداد للعمل .)
أما في الرؤيا البصرية للنص ، يضيف ماهر الطردة مفهوم شامل يضم نتاج الذات بلمسة تعبيرية إبداعية، وحرفية مسرحية وهي تعتبر لونا من المينودراما الإنسانية "التعبيرية الذاتية" وليست تعبيرا عن حاجة وهي ليست بعيدة عن صورة المخيال .
مؤكداً ذلك بلمسة محببة :
(قبل أن يعبث صغيري بجيب بنطالي كعادته يفتش عن حصته الصباحية ليسبق إخوته الى بائع الحلوى ثم يعود بلحظة من فرحٍ يمسح بها وجه الصبح.. ويوزع ابتسامته في أرجاء الغرفة ليأخذ كل منّا نصيبه منها..
بدأ يومنا بالفعل ، حمل الأطفال حقائبهم وخرجوا للمدرسة وظلّ الصغير يعبث بأشياء الحديقة ، وأطوي أنا قائمة باحتياجات البيت أضعها في ذهني ، وأغادر للعمل ..)
إن إستخدام المادة العاطفية التي صيغت في عصور الانسانية ، وعبر بها الإنسان بالواقع الملموس والمنغمس في الحياة الأسرية تعبير اخلاقي وفني عن الظروف الخاصة عن فكره ومشاعره تجاه الصغار والآخر، فاختلط فيها الواقع بالخيال وامتزجت مع الرواية معطيات الحواس والفكر واللاشعور، واتحد فيها الزمان، كما اتحد فيها المكان .. بتأكيد:
( أمّا عنها فزوجتي عادية جدا تشبه أيامنا الأرضية جداً
وأعمالنا العادية جداً، وأشياء غرفتنا العادية جداً..
كلّنا عادييون لولا سعة الأمل وساعة الاستثناء التي تعيدنا لظلّنا السماوي هناك حيث الحياة هناك خارج حدود الأشياء والزمن والعادة..)
الجانب التحليلي:
أ.تعدد العوالم:
كل رواية تنتمي إلى عالم أو فضاء اجتماعي وإنساني مختلف عن البقية، سواء قصد الكاتب أن يصنع هذا التعدد، أو إنه انساق خلفه، مستجيبا لكل ما يجذبه إلى مسار صنعته، مخيلته أو فرضته شروط الفن الروائي مما أظهر تعدديه الأغراض ..
ب- تنوع الحكايات:
إذ أن كل مشهد روائي حكاية غير أختها من التكوين، وتتابع الحكايات متدفقة، ولكل منها مسارها الذي تشقه، ومصيرها الذي تنتهي إليه ،دون أن يقطع الحالة الذهنية والنفسية للقاريء بأسلوب حكيم .
ج- اختلاف الأساليب:
تمكن الكاتب أن ينوع طريقته في الكتابة بين انتقالات وأخرى في المشهد ، وقد يكون د. ماهر قاصدا هذا أو يطاوع ذائقته ومخيلته وحالته ومساره، بحيث نجد أنفسنا أمام أساليب وطرائق عدة في السرد والبناء.
د- تغير الحالات:
حرفية الكاتب، أو الأجواء النفسية التي عبرها أثناء كتابة الرواية، بين أمل مجنح وقنوط مقبض، وبين رغبة عارمة في تغيير العالم وغربة الروح، ونكوص عن هذا أحيانا، وربما عدول ، وبين إقبال على الفعل وإحجام إلى السكون. ولا أقول أن هذا يجري بالضرورة لدى كل كاتب، مع كل ما يكتب ، لكنه على الأرجح هو الذي تصير الأمور إليه في رؤى ذات ملامح وجدانية بامتياز كما في " الثامنة بعد السماء".
ه.سخاء التجربة:
الإتجاه المستحدث لدى الكتّاب قد تقف خلفها تجارب متعددة، وهنا في " الثامنة بعد السماء "أكسبها الكاتب الزمن من حصيلة تأمله فيما كتبه بشكل أدبي وعلمي وروحي ،دون سقف زمني محدد ،وربما قد ما قرأه عند آخرين سبقوه على الدرب، أو مطالعته لأعمال نقدية في فن الرواية.
و- تبدل الأزمنة والأمكنة: ففي هذه الرواية نجد أنفسنا أمام أزمنة وأمكنة عدة ومتفاوتة، وهذا أمر طبيعي، إذ يمكن للكاتب أن يضم فيها مشاهدا تدور في أكثر من مكان، وتتعاقب على أزمنة متتابعة.
ز- تباين الشخصيات:
في الغالب الأعم، أمامنا شخصيات متبانية أو متنافرة بل متناقضة، لكل منها منهله ومشربه ومذهبه في الحياة وأهدافه ومسعاه، ومن دون شك فإن هذا يجعل تحليل النص في سطور معدودات مسألة غاية في الصعوبة.
ح - قصد المؤلف: حيث يتوافر دوما احتمال أن يكون الكاتب حريصا على التنوع، فيعمد في رواية واحدة إلى عرض قدراته وانشغالاته وطرائقه في السرد والتعبير في مشاهد متعددة ، ليستحدث روايات انشطارية من روايته . .
من أجل هذا تولد ضرورة التفكير في طريقة منضطبة، علميا وفنيا، للتعامل الحصيف الواعي . ولا يعني هذا الانضباط بالضرورة التعبير الكامل عن كل ما ورد في هذه الرواية من تفاصيل الحكايات ومواقف الشخصيات ونفسياتها، ومضمون الأفكار واتجاهاتها، ومسارها الفني أو بنائها، إنما يعني بالقطع البحث عن نقطة التقاء، أو مرجع انتهاء، الغاية في التوزيع والتشتيت سواء تعمد كاتبها هذا أو أنها أتت على ذلك النحو دون قصد منه.
وفي النقد التحليلي هذا لا يعني أن نحدد قيمة أو نوع أو حالة ما، ثم نجبر الاديب على السير نحوها قسرا، إنما علينا أن ندع الكاتب والروايه نفسها تبوح لنا بمكنون سرها، وعلينا أن نصبر حتى نصل إليه أو نقترب منه، وعندها بوسعنا أن نبدأ في النقد، أو إن صح التعبير، نشرع في الفهم والتعبير والتقريب والتصوير والتحليل، حتى لا تقل أو تتضاءل مزاعمنا حول إمكان نقد رواية كاملة، تتعدد مضامينها من مختلف الزوايا وإن كان كاتبها بالطبع شخص واحد ذو ملكة ادبية واسعة.
فضاء النص :
ﻓﻴﺘﻮﺯﻉ ﺑﻴﻦ ﺍﻟﻤﻜﺎﻥ ‏( أمّا عن "سلمى" ما قرأتُ أجمل من عينيها رواية ..!! ‏) ﻭﺍﻟﺰﻣﺎﻥ ﺍﻟﺬﻱ ﻳﻤﻜﻦ ﺍﻥ ﻧﻤﻴﺰ ﻓﻴﻪ ﺑﻴﻦ ﺯﻣﻦ ﺣﻘﻴﻘﻲ(بعد قليل سيدقّ جرس المنبّه يقلق نومنا...) ﻭﺯﻣﻦﻧﻔﺴﻲ(نرتدي أقنعتنا البشرية نسابق خطواتنا لنمضي قبل أن تفيق الشوارع وترانا ... ‏) بما يوحي ﻭﻳﺤﻴﻞ ﺍﻟﻔﻀﺎﺀ ﺍﻟﻰ ﺍﻻﻳﻬﺎﻡ ﺑﻮﺍﻗﻌﻴﺔ ﺍﺣﺪﺍﺙ ﺍﻟﻨﺺ .
ﻣﻐﺰﻯ ﺍﻟنص : ﺗﺤﻤﻞ ﺍﻟرواية ﺍﺑﻌﺎﺩﺍ ﺩﻻﻟﻴﺔ ﺣﻴﺚ ﻟﻢ ﺗﻜﺘﺐ للتسلية ﻓﻘﻂ ﺑﻞ ﺗﺤﻤﻞ ﺭﺳﺎﺋﻞ تعبيرية ﺍﻟﻰ ﺍﻟﻤﺘﻠﻘّﻲ ( سلمى ابنة السماء وأنثى الحلم والحيرة
عادتْ هي الأخرى هبطتْ معي ترتدي قناعها البشريّ كما فعلتُ أنا تماماً ....)
تسلسل الأحداث: أحداث الرواية لم تنفصم حبات عقدها، وقد أدت الخطاطة دورا في جعل أحداثها مفهومة وقابلة للتأويل، أما أثرها الجمالي فيبدو جليا في إيهام القارئ بواقعية الأحداث والشخصيات، وكأن ما يحكيه الأديب وقع بالفعل. كما صور الكاتب في روايته واقع إنسان المدنية الذي يعاني من كل الضغوط النفسية والاجتماعية وقد اختار لبيان ذلك أكثر من نموذج إنساني ينتمي إلى المدنية ويفر منها هاربا من الواقع المريض، ولخدمة قصديته وإيصال فكرته وظف لغة سردية يجمع فيها بين العاطفة والمجاز تارة والوضوح والرمز تارة أخرى، إضافة إلى تنويعه في طرق الحكي، حيث استخدم السرد والحوار والوصف واللغة المهذبة برؤية كاتب وشاعر متمكن من أدواته.
أمنياتنا إلى الأديب والشاعر " " ماهر عواد الطردة " دوام الإبداع والرقي في مشاريعه الأدبية .

تعليق
مشاركة

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

لحن الحنين/ نص لينا ناصر / لبنان ..................

من رواد الآرت نوڤو: ألفونس موتشا/ مقال للناقد محمد خصيف / المغرب ,,,,,,,,,,,,,,,,,,

رؤى .../ نص للكاتبة مها سلطان / مصر.............