التكعيبية cubisme/ (1907-1922)/ مقال للناقد والتشكيلي / محمد خصيف / المغرب ,,,,,,,,,,,,,
التكعيبية cubisme
(1907-1922)
"لنعالج الطبيعة بالأسطوانة، الكرة، المخروط، الكل خاضع للمنظور، يجب أن يتجه كل جانب من جسم، من مستوى، نحو نقطة مركزية". بول سيزان
(هذا النص بقلم محمد خصيف)
سنتحدث عن الثورة التي خلقتها المدرسة التكعيبية في الفن التشكيلي مع بداية القرن العشرين والتي امتدت آثارها لتشمل ميادين إبداعية أخرى غير اللوحة التشكيلية، فأثرت أفكار التكعيبية على المعمار والتصميم (الديزاين)، ولولا ظهور التكعيبية ما كانت تيارات ومدارس فنية أخرى لتظهر للوجود.
لا أحد ينكر اليوم أن المدرسة التكعيبية تعتبر من أهم الحركات الفنية الطليعية التي ميزت القرن العشرين والتي كانت لها يد طولى في إشعال شرارة التحديث في الفن التشكيلي الأوروبي، حيث نجد الحركة تتزعم "مسيرة التغيير في أساليب التعبير الفني وأجناسه المختلفة، التي تصاعدت عموديا من الرسم إلى بقية الفنون واجتاحت المدى أفقيا من أوروبا إلى شتى بقاع الأرض".
كتب جون غولدين مؤرخ الفن ومتخصص في التكعيبية: "التكعيبية لغة تصويرية أصيلة تامة، إنها طريقة جديدة لتناول العالم ونظرية جمالية مفاهيمية. نفهم أنها خططت لاتجاه جديد يوجه التصوير الحديث" . ظهرت التكعيبية سنة 1907 وتوقفت سنة 1914، (وهناك من يمدد عمرها إلى سنة 1920). وكان رائداها الرئيسيان هما الفنانان، الإسباني بابلو بيكاسو (1881 – 1973) والفرنسي جورج براك (1882 – 1963). هناك بعض المؤرخين الفرنسيين من يعتبرون جورج براك السباق إلى الاشتغال على الصباغة التكعيبية ولهم أدلتهم فيما يقولون، إذ يرون أن التكعيبية تجسدت حرفيا في لوحة براك "بيوت أيستاك" المرسومة عام 1908، ونفس الرأي يعبر عنه الفنان هنري ماتيس في "شهادات ضد جرترود شتاين :(Témoignage contre Gertrude Stein) " "في ذاكرتي، كان براك هو من صنع أول لوحة تكعيبية. لقد أعاد من الجنوب منظرًا طبيعيًا للبحر الأبيض المتوسط يمثل قرية ساحلية بمنظر طائر. في السماء. إنها حقًا اللوحة الأولى التي تشكل أصل التكعيبية واعتبرناها شيئًا جديدًا جذريًا أجرينا الكثير من المناقشات حوله. في نفس الوقت في استوديو براك، كانت هناك لوحة كبيرة بدأت بنفس الروح وتمثل امرأة جالسة ". والبعض الآخر يعتبر بيكاسو بلوحته (آنسات أفينيون) هو رائد التكعيبية الأول، وهناك من يقول عكس هذا كله فيدعي أن لوحة بيكاسو "بيوت على التل" المرسومة عام 1909، هي نواة التكعيبية الأولى. المهم ما في الأمر أن كلا الفنانين اشتغل بجانب الآخر في ورشة واحدة متبعين نهجا يوحد بينهما لدرجة أنك أصبحت لا تفرق بين أعمالهما فتقول هذا العمل لبيكاسو وهذا لجورج براك.
(هذا النص بقلم محمد خصيف)
ما قبل التكعيبية (1904-1911)
سميت الفترة التي سبقت إثبات التكعيبية كحركة فنية قائمة ب "مرحلة ما قبل التكعيب" précubisme أو "تكعيبية بدائية" proto-cubisme وتمتد بين عامي 1904 و 1911. يزعم مؤرخو الفن أن لوحات ما قبل التكعيب جاءت نتيجة مجموعة واسعة من التجارب والظروف والتأثيرات. فهي لم تكن في نظرهم خلاصة حدث أو مسار أو نتاج فنان واحد. مع الإحالة على الجذور القادمة من أواخر القرن التاسع عشر (حركات ما بعد الانطباعية) على الأقل، يمكن أن تتميز هذه الفترة بالميل نحو الهندسة الراديكالية للشكل وتقليل أو تحديد لوحة الألوان (بالمقارنة مع الوحشية). إنها في الأساس المرحلة التجريبية والاستكشافية الأولى للحركة الفنية التي ستصبح أكثر تطرفًا، والمعروفة منذ ربيع عام 1911 باسم التكعيبية.
في يوليو 1907، وعلى إثر زيارة متحف تروكاديرو الذي قدم أشياء قادمة من بلدان إفريقيا (بعض تحف الفن الزنجي كما يسمونه)، سيعيد بابلو بيكاسو صياغة لوحته Les Demoiselles d'Avignon، التي كان جامع التحف Kahnweiler يعتبرها اللوحة الثورية التي تولدت عنها التكعيبية. حقيقة أنها كانت ذات جمالية ثورية باعتبار جعلها مساحتين مجردين تتعايشان، لدرجة أنها وجهت ضربة قاتلة لمبدأ وحدة الفضاء الأكاديمي (المنظور الإقليدي)، مما شد انتباه الرسام جورج براك حينما اطلع عليها في استوديو بابلو بيكاسو أواخر عام 1907. ومن تم سيطور "انعكاس المنظور" حسب تعبير مؤرخ الفن بيير ديكس Pierre Daix وحرر نفسه تدريجيًا من الفكرة الخارجية. على الرغم من المضي قدمًا بشكل مختلف، فإن براك بعودته إلى سيزان، وبيكاسو برجوعه إلى الفن الإفريقي، كلاهما سيظهر الرغبة في إنشاء مساحة تعبير مستقلة. في ربيع عام 1908، سيرد براك على لوحات بيكاسو البدائية التي شوهدت في Bateau-Lavoir بزيتيته Le Grand Nu. منجذبون "من خلال تجسيد هذا الفضاء الجديد"، "الذي كان الاتجاه الرئيسي للتكعيبية" حسب تعبير براك، سيعمل الفنلنون على تدمير الفضاء التشكيلي المتأسس على المنظور الإقليدي، الذي يقتصر على وجهة نظر واحدة من أجل إيجاد مساحة تكشف حقيقة الشيء/النموذج.
خلال الفترة الأفريقية (1907-1909)، كان بيكاسو مهتمًا بتمثيل الأحجام في مساحة قصيرة (Trois figures sous un arbre, 1907). بينما تتبع براك خطوات رسالة سيزان إلى إميل برنار المؤرخة في 15 أبريل 1904، التي تعرض تصوراً للعمل التصويري الذي وضع أسس النظريات التكعيبية:
« Traitez la nature par le cylindre, la sphère, le cône, le tout mis en perspective ; soit que chaque côté d'un objet, d'un plan, se dirige vers un point central. »
"لنعالج الطبيعة بالأسطوانة، الكرة، المخروط"، الكل خاضع للمنظور، يجب أن يتجه كل جانب من جسم، من مستوى، نحو نقطة مركزية". القولة التي ساعدت على هندسة الأحجام وفرضت رؤية جديدة للشيء المفاهيمي، وجسدتها لوحة (Maison à l'Estaque ، 1908) لبراك ، و لوحة بيكاسو (Maisonnettes et arbres, 1908). بالتركيز على الفضاء، أخضع كل من براك وبيكاسو العناصر التصويرية إلى مفهوم الشيء، وتحررت اللوحة من قيود التقليد.
تم رفض مناظر براك الطبيعية التي جلبها من منطقة الإستاك في صالون الخريف، فاستقبلها، بصدر رحب المعرض الذي نظمه Kahnweiler في نوفمبر 1908. (هذا النص بقلم محمد خصيف)
باستخدام كلمات ماتيس، عضو لجنة تحكيم الصالون، سيتحدث لويس فوكسيل لأول مرة عن "المكعبات الصغيرة" في صحيفة جيل بلاس اليومية. على الرغم من استخدامه في السخرية، امتد هذا المصنف إلى اسم التكعيبية وأصبح، في عام 1909، الاسم الرسمي للحركة. بحثًا عن مساحة لمسية قادرة على توجيه الأشياء نحو المشاهد، درس براك تلك الموجودة في الحياة الساكنة، ثم رسم الآلات الموسيقية (1908-1909). لتخفيف التراكيب التي جمدت من خلال الكتابة الموضوعية، سيكسر بيكاسو الأشياء، ويغمرها براك بالضوء.
في عام 1909، أظهر الإسباني من خلال إمالة المخطط جميع وجوه الكائن، وبالتالي يمثل أبعاده الثلاثة (La Femme assise, 1909). في نهاية عام 1909، تم تدمير مساحة المنظور بالمرة. لم تعد اللوحة "نافذة مفتوحة على العالم" ( حسب المفهوم الذي رسخه البرتي) ، فهي لم تعد تمثل وهم الأبعاد الثلاثة للشيء ، بل تمثل مجمله.
(هذا النص بقلم محمد خصيف)
تعليقات
إرسال تعليق