العشق وخطيئة ادم / ابتهال خلف الخياط / العراق
صحيفة فنون الثقافية العربية
وكالة اخبارية ثقافية واجتماعية
مؤسسة فنية وادبية شاملة
الاستاذة / ابتهال خلف الخياط
العشق وخطيئة آدم
يسأل اﻻنسان عن ذاته التي ضاعت منه في طريق مساره عبر التأريخ , عن غابات أجتازها وعلق به منها ورق ألآس الذي فضح خوفه وخيانته لذاته . أمر عجيب أن يتلفت خائفا من مخلوقات تراه سيدًا عليها ، حتى فهمت من خوفه انه تنازل عن عقله فصار مثلها ينتهز الفرصة للقنص! لم يعد يهم غير الطعام وأشياء أخرى تُحيي فيه صفة الحيوان بقوة.
1) البداية.
جسد عاري يسير بحِيرة ، صخرة سوداء صلّدة, هو يجلس القرفصاء متكئاً عليها فتكلمه قائلة: يا آدم لِمَ أنت في حيرة من أمرك؟ كل ما هنا طوع أمرك.
آدم يجيب: لو كنتُ سيدا ما كنتُ هنا عاريا يتمزق جسدي بالأحجار والأشجار. ما كنت شعرت بالغربة والسقم..يالخيبتي!! ماذا خسرت؟ كيف سأجدها وسط هذه المتاهة ؟ أيتها الصخرة أخبريني عمّا لا أعرفه من الأَشياء هنا. لكن قبلها أخبريني لِمَ أنت سوداء مختلفة؟
الصخرة تجيب: سيخبرك كل شيء عن ذاته إن عرفت ذاتك،أما سوادي فلأنني حين رأيتك أحببتك وأنت العاصي لربك فأصابني من إثمك.
آدم يجيب: أرجوك لا تقولي أكثر. وصار يبكي حتى ابتلت الأرض من تحته وجرى نهر من دموعه جرف الصخرة السوداء بعيدا . قال محدثا نفسه: كم آذيتها يا لها من بداية لي هنا، إنها نبوءة الوجود أظن أنني بدأت بتدمير المكان ومازال العصيان جزءا مني فلأصمت. كان النوم حليف آدم، شيء عرفه هنا على الأرض هو التعب وأنين السير والقلق . وكان له أول حلم يراه.
2) الحلم .
رأى حواء تسبح في بركةٍ من ماء أحمر اللون، أستغرب فسألها: عزيزتي كم قلقت عليكِ، ما هذا اللون الأحمر للماء لم أرَ مثله في الجنة انه يغلي الا تشعرين بسخونته؟
حواء تجيب: آدم انه الدم، كالذي تنزفه قدماك انظر إليهما. آدم يمد يده حيث قدمه فتلوثت يده بالدم اخذ يلعقها ويشمها مستغربا منه فيقول: انه أمر غريب، ما هو وكيف يخرج مني!؟
حواء تجيب: سترى منه الكثير وستأتي بك الأيام بدموع تشبهه تُحرق مقلتاك ندما على ما فعلت، أنتَ من أخرجتنا من الجنة.
آدم يُطرق رأسه فيقول: أجل أنا..ألستُ المتكلف بالسيادة فلا حجة لي بعدها ولن أقول غير ما تقولين. هيا حبيبتي تعالي إلي فأنا لاشيء بدونك، تعالي هوني عليّ الحال فإنني أظن أننا أمام أهوال.
فزع من نومه على أثر حركة بقربه ، كانت حمامة صغيرة قد حطت على قدمه و بمنقرها غصن أخضر تمسح به جروح قدميه.فشعر بالهدوء وأبتسم ورفع نظره إلى السماء وقال: حمدا لك يا رب،إنها منك و لن تتركني وحيدا فأنت خالقي وأنا عبدك رغم عصياني وخطيئتي.
شعر بالجوع فقال: لأبحث عن طعامي فلا خدم عندي.
رفع نظره وقال: ربي ليت حواء تكون بقربي.
3) لقاء وبكاء..
حواء تشكو خوفاً عرفته حين لسعتها بعوضة،ألما جعلها تلتفت إلى أشياء أخرى اكبر، إنها ترى الحيوانات تتحرك بحرية،بينما هي تختبئ في حفرة وسط الأحراش عاريةً والخدوش عاثت بجسدها الغض،جائعة,عطشى, تبكي، وغرابةُ ظلامٍ يملأ المكان شيئا فشيئا فتختفي أنفاسها رعبا فتهمس: أين أنت يا آدم هل أنا وحدي مَنْ رُميتُ هنا!؟ إني أريد أن اعرف شيئا واحدا الان هو"كيف افترقت عنك؟" وأي خطيئة هي؟ولماذا جعلها الله طاردة لنا من الجنة؟ ليت افهم. غلبها التعب والخوف وانساب جسدها بهدوء وغفت، تشابكت الأغصان من حولها وفوقها راعيةً لها من كل شر، إنها حواء حبيبة السيد والكل مأمور برعايتهما ومخلوق لهما. آدم بجبروت جسده القوي تتهرب منه الحيوانات ناظرة له من بُعْدْ.. يسير ونظره نحو الأرض بحزن وألم يرفعه حينا آخر نحو السماء بتوسل طلبا للعفو.. لكن كان ما كان وبدأت دوامة الحياة. قال بصوته المزمجر: لا حق أملك لطلب العفو وأنا المخلوق بالعقل وقدرتي التفكر، أنا من وضعني الله فوق الكل وأمرهم لي بالسجود، حِكْمته تجلت بأني اعلم ما لا يعلمون وها أنا فشلت باختباره البسيط ووقعت في فخ الكريه إبليس. ربي سبحانك وضعتَ كل شيء أمامي , أسير والدهور تنتشر من حولي موت ودمار وأبناء ينتمون إلي وتاريخ يتراكض زاعما أن الكل يعيش بين كائن ويكون وقاتل ومقتول ، لا أريد حواء..هل ممكن؟ أريد أن أتملص من الوجود، من ورثتي ، من جرائم تجر سلسلة من خطيئتي، لا ذنب لها فهي مني ولي ، رهيب ما سيحدث وكله بدايته نحن أنا وهي..والعشق!
هاهو آدم يقترب والأرض تبيح له السير فوقها بصمت وتحت قدميه تنبسط , تختفي التلال وتتسق الأودية والزرع ينتشر بجمال والأنهار تتفرع كلما مر بقربها,الطيور تحلق من فوقه,لم يرفع بصره نحوها فكل ما في قلبه خطيئة لم تُغتفر وتوابعها تزداد ولا أثر لحواء. تنهد بثقل أنفاسه ورفع رأسه ليستقيم ناظرا أمامه فأندهش لمنظر الشمس وهي ترتفع .. شعر بها تهمس له فابتسم, زقزقت العصافير وتراكضت الحيوانات الصغيرة مبتهجة"السيد مبتسم!" .. كان هناك غراب كبير نوعا ما قد حطَّ على غصن عال من شجرة تفاح.. تعمد أن ينقر كل ثمارها وكأنه توقيع له بملكيتها , صاح بصوته الأجش "آدم ..اعلم مكان حواء إن أردت". انتبه آدم له قائلا: تكلم يا هذا الأسود..هيا بسرعة.
ضحك الغراب بخبث وقال: كم أنت ملهوف يا "رجل"!
قال آدم: "رجل"!!
ضحك الغراب وقال: أنت الرجل وهي المرأة, كم أتوق لجمعكما معا رغم أني كما تقول أسود, سترى هذا الأسود كم يعلم.
آدم : وهل تعلم أكثر مني؟ ما اعلمه أكثر منك ومن كل المخلوقات.
الغراب: ما تعلمته كان علما وضعه الله في عقلك قبل أن تهبط هنا, من الان عليك أن تتعلم مني ومن غيري ومن كل شيء ياآدم المسكين المغضوب عليه..وقهقه الغراب وطار.
نادى آدم: ويحك توقف إني آمرك أن تقودني إلى حواء.
التفت إليه الطائر الأسود وقال: إنها نائمة هناك خلف تلك الأشجار أمامك حيث سأحط عندها فاتبعني.. واعلم تماما انك تكرهني إلى الأبد لكن فضلي عليك كبير يا آدم.
ركض آدم نحو الأشجار يقطعها بسرعة ولاحت له بجسدها الجميل وشعرها الطويل المنساب يغطيه, لم تشعر به فجلس بقربها يتأملها.. كان يمد يده نحوها ثم يسحبها.. جاء صوت الغراب عاليا بقربهما ففزعت حواء , قال آدم: لا تخافي إنني هنا.
ارتمت في حضنه مبتهجة فضمها بذراعيه , وكانت لهما أول ليلة على الأرض يجمعهما فيها العشق. لم يسمعا صخب الغراب وضحكه حين طار.
4) السلسلة.
فناء واسع وبيوت طينية وصغار يجمعون الرطب المتساقط هنا وهناك يتراشقون بينهم وضحكاتهم عالية,يراقبهم آدم بعيون الهموم وحواء ليست ببعيدة عنه تنظر إليه تارة والى ما حولها تارة أخرى, قامت لتقترب منه وكأنها تهمس بإذنه..تنهد قائلا: اعلم جيدا سبب خوفك وما باليد حيلة.. الحمد لله انك لا ترين ما أراه.
حواء: أسمع منك هذا منذ أول ليلة قضيناها على الأرض معا , تلك الليلة التي زرعت بها زرعك الأول فيَّ , جلستَ وبكيتَ كثيرا وقلتَ أيضا جملتك المخيفة هذه "يا ويلي كيف سأحتمل كل هذا؟ أي خطيئة أوصلتني إلى هنا؟ أَحبكِ الله يا حواء لأنك لا ترين ما أراه".. آدم أخبرني أرجوك بكل شيء لا تتركني في حيرتي وخوفي.
آدم: يا حبيبتي خرجت منا سلسلة غريبة ودوامة لا تنتهي من رجال ونساء , وحلمي وأنهار الدماء منبعها سيظهر قريبا.
حواء: لم أفهم ما ترمي إليه..لكنني اشعر بالخوف على أبنائي.
آدم: اجل هو الخوف انه قادم. وذاك الغراب ينتظر دوره في تعليمي..إني أتعلم منذ هبطت,كنت بالأمس أراقب النمل و يا له من مخلوق مقتدر لقد قادني إلى كل شيء.
مرت ساعة وانتصف النهار,تأخر الأخوة وآدم مطرق رأسه ودموع صامتة تنهمر بغزارة, حواء تقف على تل قريب تنتظر ومن حولها الصغار.
صرخ الغراب فوق رأس آدم معلنا أن القتل وقع وتم دفن القاتل للمقتول.
قام آدم مسرعا يركض نحو الحقل البعيد, كان ابنه يحاول طمس حفرة أحدثها هناك, صرخ آدم: إذن قتلت أخاك, ابتعد عني,لست مني.
القاتل: أنت من بدأت أبي, لكل شيء بداية..أعطني مالي عندك وسأرحل.
آدم: وماهو؟
القاتل: أنثاي وأطفالي وعهد منك لأكون السيد بعدك.
آدم: لك عائلتك,ولن يكون لك عهدي.
ضحك الابن القاتل وقال: سنرى معا يا أبي, فكلانا سيبقى..أنت الشاهد وأنا السيد.
آدم: يا لجرأتك على الله!
الابن: تذكر دائما انك أنت الذي بدأت المعصية .
غيوم تلبدت وأصوات نحيب ورحيل مشؤوم وارض ارتدت زيَ الخراب, هذا السيد آدم فقد زمام سلطته وبدأت الحيوانات ترصده للنيل منه وكأنما فُتحت جبهات معه وضده..حواء تصرخ باسم ولدها المقتول ولاعنة بطنها التي أنجبت القاتل, لاشيء هناك بقربهم إلا صراع البقاء وغياب من سيختاره آدم ليحمل العهد عنه فابنه القاتل عاصي ولابد من ابن مطيع ! هل سيكون؟
5) سفينة وطوفان.
أمواج عاتية وسفينة تصارعها وآدم يرصد كل محمول على السفينة, وهو الشاهد بلا حياة فهو يأبى الموت وينتظر نهاية للمعصية ولكن هيهات إنها تزداد وتنتشر مع تناثر ذريته والعقاب كما الدموع ينهمر بشدة جارفا العصاة باستمرار..وفي كل نهاية تبدأ معصيةٌ وأخرى وابنه القاتل بدأ يسود على الأرض والغصة تأكل قلب أدم برحيل حواء المدمي حين ألقت بطنها ولدها الأخير لتموت حزنا وألما وقد تمزقت أحشائها لتنتهي. هاهو حفيده يعلن نهاية الطوفان وحملت السفينة الراكبين الأتقياء معلنة بداية عهد الخير من جديد..لكن لانهاية للصراع. ترك آدم السفينة داعيا الله أن يتركه في حفرة ما من الأرض فقد تعب وعهده صار بيد الخير.. مات آدم وحملته الملائكة لتودعه حفرته ولا حواء بقربه ولا أولاده لقد مات وحيدا كما خلقه الله أولا.
6) مجرد تقليد
موسيقى صاخبة ورجل قبيح بملابس سوداء مرقطة كما الأفعى.
شاب وشابة يسيران في مدينة بلا زمن ..قالا: وآأسفاه ! ما كل هذه الصور البشعة ؟ وماذا تريد من نشر هذا القبح على الجدران في كل المدينة؟
قال الرجل: يا أعز الأعزاء إنكما تذكراني بآدم وحواء..بصراحة وبعيدا عن البكاء تلك الموسيقى هي تقليد لمدن عدة, ماتت الينابيع الصافية وأخفى القمر ضوءه وسط سطوع الأضواء الحمراء والحلم و الأمل صار بالنوم العميق فكل واحد تطوقه عيونا كثيرة ترفسه خنقا فينحني كما انحنى آدم حين قُتل ابنه ولم يُنزل عقوبته على الآخر ابنه القاتل وترك الأرض تتلطخ بدماء يسفكها أينما حلَّ, إن ما يحدث هو خطيئة آدم الكبرى,غياب العقاب. وفقدان الذات الآدمية, ما أخطأ الغراب بشيء هو من علمنا الحفر ودفن كل شيء حتى الأسرار والأخطاء. ليس هناك شيء غريب أو مبهم كل ما يحدث واضح للعيان والفكر لكن بنو آدم اختاروا الغباء والوحل , ما ترونه مني هنا هو مجرد تقليد أنشره أمام الكل ولم يسألني احد غيركما.
نظر الشابان احدهما للآخر وقالا: سنقوم بما تفعل في مكان آخر لعل يزيد عدد السائلين ونصبح أمة تفكر من بني آدم.. وتعود السماء لتزدهر بضوء القمر وانهار النجوم حينها سيرى الجميع الأرض ويحفروا الأنهار وتختفي معالم السواد والقبح حيث نعيش.
ابتهال خلف الخياط
تعليقات
إرسال تعليق