شاهد وشهيد - / قصة قصيرة / للقاة ابتهال خلف الخياط/ العراق ,.,,,,,,,,,,,,,,
شاهد وشهيد -
قصة مواطن صالح جدا
مكتب ضخم وحراس مثله يصطفون كجدار قربه، رجل يجلس خلف المكتب وهو متجهم مهموم.
طرقة على الباب، وقبول بالدخول.
الموظف: استاذ ارجو ان تتمالك نفسك فصحتك مهمة.
الاستاذ: تكلم بسرعة.
الموظف: الشارع الجديد لا سكان فيه، ذهبنا ورمينا المساعدات من الطائرة المروحية ولا احد خرج لينظر او يستبشر او يأخذ شيئا.
الاستاذ: هل يكونون قد رحلوا، ولكن كيف وهم محاصرون من ثلاث جهات ؟! ربما تفترون عليهم وسرقتم المساعدات؟
الموظف: ارجوك استاذ لم يحدث شيء من هذا.
الاستاذ: بل حدث كثيرا , ألم أصادر منكم حاجات مخصصة لهم من قبل؟ يا لهم من معذبين انهم يقضّون مضجعي، صرخاتهم تمنع النوم عني، لابد من التدخل السريع، سألوم نفسي قبل أن يلومني العالم.
الموظف: يا لرأفتك استاذ، وكم هم جاحدون ليطعنوا بنزاهتك وحبك لهم و ولعك بخدمتهم.
الاستاذ: على مهلك لا تصفهم هكذا.
"ويهز راسه ويمُدَّ يده في جيب قميصه وصمت محاولا أخذ قرارا لمواجهة أي وضع جديد فهو يعلم أن سكان الشارع الجديد مازالوا فيه، ولكن هل هم في حالة تمرد أم موت جماعي، ترك مكتبه وسار ليقف امام المراة الكبيرة على مساحة حائط مقابل لمكتبه، ثم ليسير وهو يراقب نفسه إن كان سيمشي في الشارع بين الناس. دائما ما يصحبه بعض الصحفيين المحبين له لتكون اعماله في الصورة، فرغم عدم اهمية الراي العام وثرثرة المثقفين والبسطاء الا أنَّ الصور لا باس بها فقد يكسب حب البعض بها".
التفتَ محدثا الموظف: هيء لي صحفيا يانعا اكسبه فرصة للشهرة، سيكون معي في جولتي هناك وأُدلي بتصريحات خطيرة تمهد الطريق لحل مشاكل سكان الشارع الجديد.
الموظف: سأختار لك شابا أعرفه جيدا وهو بارع في العمل رغم عدم استفادة أحدا منه. لم يمض على تعيينه اكثر من شهر.
الاستاذ: جيد. احضر لنا الطائرة المروحية لأطلِّع على مالم تقله لي عن الشارع المسكين.
حضرت الطائرة والاستاذ يتحرك صوبها وحراسه من حوله وخلفه الموظف وشاب يحمل محفظة للاوراق وكاميرا. واقلعت مرتفعة وسط ضجيج الاستاذ والنظرات الباردة للمحيطين به فقد اعتادوا على عباراته كلما اقلعت به طائرة.. وهو يقول: اياكم واي حركة اني اخاف المرتفعات، اي بؤس اعيش بمسؤوليتي عن هؤلاء المتعفنين.
ثم اخذ يفكر كيف سيتصرف فالكاميرا مسلطة عليه فصار يحدث نفسه بصوت عال: سأختار صفات القادة المشهورين فأولا سأترك مجالا لرفع الكلفة سأزيل الحواجز بيني وبينهم، لكن ستبقى هيبتي بلا انتقاص وستكون خطاباتي محبة لهم بلا أول ولا آخر فلا سابق لي من عظماء التاريخ الانساني ، كما انني سأسير بينهم كما سار الإسكندر في الفلم وسأقف بينهم كما وقف ملوك الفراعنة كوقفة إلهية قادمة من السماء أما نابليون فسأمشي مثله بصمت راقي فربما سأرسم صورة واضعها على جدار الشارع هنا ، يا اااه ما اصعب ان تكون مسؤولا.. لكنه شيء جميل جدا تتعود عليه فلا تريد تركه رغم الصعوبات.
كان الجميع يسمعه بهدوء. الموظف وقد لاح له مكان الهبوط: حمدا لله على سلامتك استاذ ها قد وصلنا.
الاستاذ: فظيع.. ان ما يجري فظيع. هيا تحركوا جميعا لنقوم بالأمر بسرعة لأني لا احتمل رؤية عذاب الناس، وأنت أيها الصحفي ابدا بالتصوير وتسجيل كل خطوة وكل حديث لي، واختر اللقطات المناسبة لتظهر مدى المي وتعاطفي معهم.
الصحفي: أكيد استاذ لقد بدات فعلا.
سار الجميع الاستاذ في المقدمة وعلى جانبيه الحراس والموظف والصحفي.
الاستاذ: هيا اطلق صوتا ما، أجراس أو مكبرات ما هذا السكون ألم يسمعوا صوت الطائرة ؟ !!
الموظف: حاضر استاذ.
واطلقت المكبرات معلنة زيارة الرؤوف بسكان الشارع الجديد ولكن لا أحد يهب للخروج فالخيم مغطاة بالثلوج والشارع محاصر بالمياه من ثلاث جهات وطريق وحيد ضيق قرب مسار الخيم إن رغب احد ما لينظر. شعر بالحرج الاستاذ وقرر ان يرفع اطراف بنطلونه ويسير حيث ينظر الى داخل المخيمات، ونظر ممتعضا للحال وحراسه من حوله ينزلقون في المياه.
الاستاذ: أيها الموظف يبدو ان لا أحياء على الاطلاق ربما ماتوا منذ زمن , لقد فشلت خططي كلها ، أيها الصحفي صورني الان وانا ابكي فوق الجثث سأختار الاطفال.
الصحفي: نعم أستاذ اني اقوم بعملي كما تحب.
واكتفى الاستاذ ببعض اللقطات فلا حاجة لتكرار مشهد فكل الخيم متشابهة وكل الاموات.
الاستاذ: سألقي خطبة للتاريخ فأنا مؤمن انّهم سيسمعون قولي ويهتفون، سجل ايها الصحفي كل حرف مما ساقول:
أيها الطيبون المسالمون البائسون ادرك واقبل عذركم ان سمعتم الاجراس والدعوات فلم تقوموا لي فقلبي المعذب بعذابكم شامخ واقوى من اي وقت مضى سأسجل في هذا اليوم وهذه الساعة هذا الحدث الذي سيخزي العالم فلا احد منكم سيكون شاهدا على هذا الموت، سأقيم لكم مأتم بضجيج عال فناموا بهناء، وسأقيم عليكم مسجدا واسعا ذي رخاء كما اهل الكهف في كتب وقصص الله، ناموا برغد بلا تعكير, صفّوا احلامكم بالدفء والطعام وضحكات الصغار، اعلن من هنا الحداد الرسمي لمئة يوم. والسلام ختام.
عاد الجميع وركبوا الطائرة وأقلعت مسرعة وتنهد الاستاذ قائلا: ما رايكم بما قلت وفعلت؟
أجابه الجميع: نِعم اللطيف أنت. وانتهى اليوم ونسى الاستاذ أمر المسجد والمئة يوم وطلب من الكل كتمان الأمر فالناس في ذاك الشارع ربما هربوا إلى ملاذ آمن ولا حاجة بهم إلى مسؤول فالخير كثير والدفء في كل مكان وفير. اما الصحفي فقد اكمل عمله واطلق فلما كاملا يصور المسؤول من صعود الطائرة وحتى عودته مقرور العين غير مقهور، وبلغ الإعجاب لعمله بالملايين وطويت صفحة اليوم دون اي تأثير.
.
تعليقات
إرسال تعليق