قطرة في محيط/ قصةقصيرة / للقاصة ابتهال خلف الخياط / العراق ,,,,,,,,,


 قطرة في محيط

في عالم يعج بالناس نطلق لأنفسنا العنان لنظلم فيكون للظلم ألواناً عدة . اخترت أن أظلم نفسي بأن أفكر بكثافة الخلايا التي تملأ جمجمتي فأحاول احتواء كل الناس الذين احتواهم الظلم ، حينها وقعت في الأوهام .. وهماً صار شبحا ملازما لوجودي .. فكان عاشقا مولها بي لا يستطيع أن يمتلك حريته كشبح حر.
كان مغرما بي إلى حد الإلتصاق وصرت أشعر بأنفاسه وكأنه بشر حيّ فوقعت في عشقه. كنت أسمعه يردد عبارته الوحيدة " كفى قلقا حبيبتي ولتكن الأيام حلًا لكل معضلة ، لقد شهدتُ عصورا متتابعة فما رأيت ثباتا لشيء" .
في كل مرة أجيبه بشكل مختلف و رأي جديد بحسب مزاجي .
اليوم وعند الصباح والحرقة في قلبي من أشياء وأفكار كثيرة وتجهمٌ رأيته على وجهي في المرآة سمعته يعيد عبارته هامسا بها في أذني فصرخت :
ليتني أفهم سبب صمودك معي طوال هذه السنين ، أيّ غرام هذا قد حبسك بقربي ، لماذا لا تمارس حريتك وكل التاريخ أمامك و الأماكن أيضاً ، فها أنا كئيبة ومزعجة بصمتي وعدم اكتراثي بك ولا أظنني يومًا أسمعتك ردًا جميلا يسعدك ، ها ؟ انطلق وعش جمال حقيقة أن تكون شبحا فقط .
ساد الصمت وشعرت بأنه اختفى وصرت أتلفت وكأنني كنت سأراه ! زاد خفقان قلبي فقلت:
هل يكون قد رحل ؟ هل إنفك عنه سحري وانطلق ؟ ربما كنت أنا مَن أحبسه رغما عنه ؟ أجل ربما قمت بعمل ما يوما وتسببت بأن يلتصق بي على كل حال ها أنا الآن وحيدة بالمطلق و حتى الأشباح تتملص مني . هنيئا لك حريتك أيُّها الغريب الذي حتى لم أعرف منه غير همسه لكنه كان همسا جميلا. أيّ حدث هذا الذي جعله يصاحبني ؟ لابد أنها خطيئة لم أفكر بها ، كان لابد من أن أسجل يومياتي في دفتر كبير يحوي كل خطواتي وكل الناس الذين أفكر بهم .. آه كم أمقت كل شيء ! لدي شكوك رهيبة و ربما اختل عقلي و إيماني ، لكن لا فرق بينهما فيكفي أحدهما أن يختل للأنهيار .
لا داعي للتفكير به ليرحل وكأنني ينقصني الجنون .لأشغل نفسي بقراءة كتاب ما ، لأغمض عيني وأترك يدي تختار كتابا من المكتبة وأغلبها قد قرأته ، يااااه يدي عجيبة وربما تفكر لقد وقعت على كتاب لفرويد ، لم أقرأ له منذ وقت طويل ، ربما لأنه باعتقادي قد اخترع مرضا جديدا للبشر و ربما يستحيل علاجه . هكذا أفكر بأمراض فرويد فمن المستحيل تغيير ماضي الإنسان . تعال يا فرويد واخبرني برد سريع عن سؤالي : ماهي خطيئتي التي لم أستطع معرفتها لأن الخطايا تكون واضحة جدا وتخبرنا عن أنفسنا بتوهج ناري ؟
صرت أتلقف الصفحات بحثا عن مرضي بيد فرويد وهو يتهرب مني من صفحة إلى أخرى فمللت حكايات وهلوسة الكثيرين من مرضاه ، رميته بغضب . سقطت منه قصاصة صغيرة ، مددت يدي إليها وقرأت ما فيها " أنا الوحش الذي لم يرَ نور الشمس رغم أنّه على قيد الحياة ".
يا الله لقد كتبتُ هذه منذ زمن طويل جدا ربما كنت في عمر الخامسة عشرة ، أجل أتذكرها جيدا كنت أدرس للامتحان فأعجبني أن أتصفح كتاب فرويد فوجدت أناسا طيبون تنهار أحلامهم تباعا لأنهم لم يكرهوا أحدا ، كما أنّ هناك من احتاج حبا فلعن وجوده لحرمانه منه ، وهناك من أمتلأ كرها فكان وحشا يدمر كل شيء. نعم حينها اخترت أن أجعل وحشي مقيدا في زنزانة هذا الكتاب فسطرت كلماتي وحشرتها فيه ولم أعد إليه لأقرأه ، إنه الكره والحقد , الوحش الأكبر الملعون .
إذن هي ليست بخطيئة بل هو طهور روح ، ثمة ريح تقلعنا من حياتنا في أي وقت لنكتشف ما نحتاج إليه من حقيقة.
بعض الكلام يكون بمثابة عقارا عجيبا لذهول تتركه الحياة علينا حين يمر العمر ونحن نفتقد الكثير من الأشياء , لأكون موجودة يجب أن أشعر بالآخرين ، فعلا لقد كنت موجودة بافراط حتى صار الموت بابا أحبه كما هي الحياة باب.
قمت بسرعة وخوف وحشرت تلك القصاصة ثانيا في الكتاب وأجهزت عليه بكيس ولففته بالشريط اللاصق ورميت به في أعلى المكتبة ، فكرت في حرقه وحرقها لكن النار أحيانا تحرر الأرواح الشريرة ، اكتفيت وجلست بصمت لأستعيد أنفاسي. سأكون بمأمن من نفسي الآن كما أنّ الحب ظاهرة طبيعية فكان هذا الشبح المغرم هو أحد الكابحين للوحش في كتاب فرويد. سمعت همسا في أذني " كفى قلقا حبيبتي ولتكن الأيام حلا لكل معضلة ، لقد شهدت عصورا متتابعة فما رأيت ثباتا لشيء"

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

لحن الحنين/ نص لينا ناصر / لبنان ..................

من رواد الآرت نوڤو: ألفونس موتشا/ مقال للناقد محمد خصيف / المغرب ,,,,,,,,,,,,,,,,,,

رؤى .../ نص للكاتبة مها سلطان / مصر.............