أنثى الشاطئ- الصخرة / وليد ع العايش

 


صحيفة فنون الثقافية العربية 

وكالة اخبارية ثقافية واجتماعية 

مؤسسة فنية وادبية شاملة 

الاستاذ وليد ع العايش 


أنثى الشاطئ - الصخرة


ولأنها كانت هناك متوجسة وحيدة رمت بثقلها على تلك الصخرة تاركة وجهها يغوص بين كفيها قبل أن تلتهمه أمواج عاتية كان لابد من حركة مفاجئة . 

كانت تظن بأنها المتمردة الوحيدة في هاتيك اللحظة ، ابتعدت رويدا رويدا تتحاشى حجارة تكاد تعرقل طيرانها إلى جوار ماء أزرق وما كانت تظن لوهلة بأن خلفها عيون أخرى تراقب الحدث بتفاصيله المكتنزة داخلها . 

تحرك الشاب باتجاه دوراني كيلا يلفت انتباهها أولا وانتباه الآخرين تاليا ولعله لم يكن مكترثا كثيرا لهؤلاء ، ماهي إلا دقيقة أو أكثر بقليل حتى كان قد أصبح في مرماها ، لم ترفع نظراتها عن الموج بل تابعت نحو الصخور الصغيرة المثقوبة ، بينما بالقرب من هناك كان صياد السمك يتشبث بسنارته ورأسه إلى الوراء . 

كان الخجل حاضرا كبعض غيوم أتت بلا موعد ، بعض الكلمات تناثرت كزبد البحر وبعضها بدأ يحلق كالنوارس في قعر السماء ، جلس على استحياء قربها ، هو يعلم تماما بطريق السباحة إلى قلبها وربما إلى عقلها أولا لكنها البداية قاسية في كثير من الأحيان . 

لحظات تمر مسرعة دون أن تنبس الفتاة بكلمة ، اليأس مازال في قلب الأمواج يقترب ويبتعد فيعاود الصياد نظراته عسى أن تكون سنارته قد أمسكت بسمكة صغيرة . 

توقف عن الكلام فقد ضاع من بين يديه ، تناسى الشاب بأن هناك من يراقب عن كثب ، وضع يده فوق يدها الملساء ، مررها بهدوء حذر ، بكل تأكيد كان يخشى شيئا ما ، فأمامه صخرة لا ترحم ، وخلفه مياه لا يعرف عمقها وهو الجاهل بالتعامل معها حيث قفزت إلى ذاكرته تلك الحادثة التي كادت تودي بحياته في مكان آخر يشبه هذا المكان ، مما جعله يزداد حذرا من تصرف مفاجئ غير مأمون العواقب . 

تمتمات خافتة تكسر حاجز الصمت، لا أحد يعلم بما جرى أثناء الجلسة الصخرية ، لكن ابتسامة لا تبدو باردة ارتسمت على ثغر الفتاة فاحمرت وجنتيها معانقة لون الأفق ، انفراج ما يطرق الباب أمام مصالحة كبرى . 

تلاشت الأفكار السوداء فجأة عندما دنت الفتاة برأسها صوب كتفه أولا ، وشقت طريقها إلى صدره ( كما شقت عصا موسى البحر ذات دهر ) ... هنا كاد البحر أن يخر خاشعا ، أما النوارس فبدأت حفلة الرقص دون تأخير ، تلاقت الأيدي في منتصف الطريق ناحية القلب ، الآن فقط رفعت الفتاة عينيها صوب الشاب المتلعثم للحظات ، ( كانت دمعة ما ) تملأ العين المخملية الجميلة ، عندما هم بمسحها أبعدت يده بهدوء وكأنها كانت تعرف بأن تلك الدمعة لها مهمة أخرى عليها أن تؤديها ، فمن جهة كانت تمنحها جمالا مختلفا فوق جمالها ، ومن جهة أخرى ربما كانت تستجدي عطف البحر من خلالها  ... 

أمسك برأسها هذه المرة وأماله إلى صدره ، لم تبد الفتاة اعتراضا بل بقيت واجمة تفكر بما يحدث، هل أصابتها المفاجأة ، هل كانت تنتظر تلك اللحظة الهاربة من موجة متمردة ، هل كانت غير مستعدة لمثل هذا !!! ... احتمالات شتى دارت مع دوران النوارس في السماء ، لكنها كلها كانت تصب في خانة واحدة ، إنها المشاعر المقدسة التي أطلت برأسها من بين الغيوم لتعلن ولادة جديدة في ظهيرة يوم شبه غائم . 

مسح الشاب على رأس فتاته لأول مرة ، أمسك بيدها الحرة ثم خرج بها نحو الشاطئ القريب . 

سحب الصياد سنارته ممسكا بسمكة ملونة علقت بها مصادفة ، نظر إليها ثم أعادها إلى البحر ... 


وليد.ع. العايش 

٢٢ / ٣ / ٢٠٢١م


تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

لحن الحنين/ نص لينا ناصر / لبنان ..................

من رواد الآرت نوڤو: ألفونس موتشا/ مقال للناقد محمد خصيف / المغرب ,,,,,,,,,,,,,,,,,,

رؤى .../ نص للكاتبة مها سلطان / مصر.............