مقالات ودراسات العدد الخامس من مجلة ( دراسات الطفولة العربية) - التسلسل 1 - ٢٠ جماليات البناء اللغوي وتحلّيل الخطاب السردي في روايات جاسم محمد صالح/ العراق ,,,,,,,,,,,,,,,,
مقالات ودراسات العدد الخامس من مجلة ( دراسات الطفولة العربية) - التسلسل 1 - ٢٠
جماليات البناء اللغوي وتحلّيل الخطاب السردي
في روايات جاسم محمد صالح
ساهرة رشيد
وزارة الثقافة / بغداد
لا بدّ أولا أن نعرف كيف يبدأ البناء اللغوي للخطاب أو النص السردي لدى أديب الأطفال جاسم محمد صالح ؟ , سؤال طالما دار في أذهاننا وكان جوابه عندما يقوم جاسم محمد صالح باختيار فكرة معينة ويوظفها وفق نصّ سردي مشوق وبمجموعة متسلسلةٍ من الوقائع على أن تكون هذه الوقائع متسلسلةً ضمن ترتيبٍ زمنيٍّ أو منطقيٍّ, الوقائع مرتبطةً معاً من دون ذكر حدثٍ معزول عن الآخرين , وتكون الأحداث متطورة ومتغيّرة بأن تبدأ من حالٍ وتتطوّر لتصِل إلى حالٍ أفضل ومختلف ودائما ما تكون رواياته داعمة لفكرةٍ أو عبرةٍ أخلاقيّةً أو دينيّةً او حتّى أسطورية .
يعترف الأديب جاسم محمد صالح بأنّ الكتابة للطفل ليست بالأمر الهيّن ، ولا هي في متناول أيّ كاتب ومبدع , وانّ مجال الكتابة للطفل من أصعب مجالات الأدب وليس كلّ من يريد الكتابة للأطفال يستطيع ذلك، لأنّ الكتابة للأطفال تتطلب من الأديب أن يتحلّى بمجموعة من المزايا التي تجمع بين الموهبة واكتساب الحسّ الطفولي الذي يسمح له بالتوغل إلى عالم الطفل بعفوية ودون تكلّف ، إضافة إلى احترامه لطبيعة الأسلوب الذي يُكتب به للطفل .
ويوضح جاسم محمد صالح بانّ فنّ الكتابة للطفل ككلّ الفنون الإنسانية الأخرى يستند إلى أساسيات من الضروري توفرها في أيّ كاتب ومبدع في أدب الطفل منها على سبيل المثال : الموهبة والرغبة الداخلية و الشعور بالرضا , والثقافة الواسعة في أكثر مجالات العلوم الإنسانية ، ولانّ جاسم محمد صالح اتاح له عمله في مجال التربية والتعليم اجراء دراسات واسعة وميدانية بالاحتكاك والمعايشة عن الطفولة ، ومراحلّها وخصائصها إجمالا , ثم معايشة وخبرة خصائص كلّ مرحلّة من حيث النمو الشامل , فالنمو البدني ، والحسّ الحركي ، والمعرفي بما في ذلك الجانب اللغوي والتواصلي والمهاراتي وكذا مهارة الكتابة ، والاستعدادات والقدرات والاستجابة للمثيرات الداخلية والخارجية من أجل أن يكون منتوجه متوافقا مع المرحلّة العمرية , إذ ما يكتبه لطفل بثماني سنوات غير مايكتبه لطفل العاشرة , مركزا في قصصه ومسرحياته على قيم الأمة و ثوابتها وغيورا على مكانتها ومعتزّا بأمجادها وتاريخها وغالبا ما يضمّن حكاياته وشخصياته من التراث الإنساني والوطني ، فهو يستقي مادته الخام من الأساطير والحكايات , ويوظفها لتلائم عقل ومستوى تفكير الطفل ليُخرج للنور عملا أدبيا راقيا بواسطته يُـثْـقِف الطفل ويُمتعه ، ويرتفع به إلى آفاق رحبة يغمرها الخير وتسودها المحبة.
وأديبنا جاسم محمد صالح مؤمن برسالة سامية وهي : ان الكتابة للطفل عملية تربوية تثقيفية منزهة عن أغراض أخرى كالجشع وراء الكسب المادي , وهذا ما دأب عليه أديب الأطفال جاسم محمد صالح فهو دائما ما يوظّف ويحوّل فكرة معينة وفق مجموعة متسلسلة من الوقائع إلى نصٍّ مكتوب , لتكون هذه الوقائع متسلسلةً ضمن ترتيبٍ زمنيٍّ أو منطقيٍّ , حيث تكون الوقائع مرتبطةً معاً من دون ذكر حدثٍ معزول عن الآخرين, فنجد إنه غالبا من يكون النص الذي يتناوله تكون أحداثه متطورة ومتغيرة تبدأ من فكرة وتنهي بموعظة معينة ودرس موجه , وإما أن يكون تخليدا لشخصية تاريخية , كما انه واظب على نقل الأساطير القديمة إلى هذا الجيل الحالي.
وأما (الشخصية) فهي فواحدة من المخلوقات التي يبتدعها أديبنا لِتُعَايِشَ وقائع الحكاية وتُعَانِيَ تفاصيلها ، وتتصرف داخل الحكاية ، بحيث تقوم بالدور المسند إليها في الحكاية ، وتعمل على إبرازه بمميزات الشخصية المرتبطة بها دون غيرها من الشخصيات الأخرى.
واليوم نتحدث عن رواية (ملكة الشمس) وهي رواية للأطفال عن اسطورة يابانية قديمة جدا وتمكّن جاسم محمد صالح من تطويرها وإعادة صياغة فكرة ومضمون الأسطورة وتقديمها بشكلّ جديد للطفل العراقي وتُعدّ أضافة للأساطير اليابانية أسطورة بنكهة جديدة , وعُرضت رواية (ملكة الشمس) على الكاتبة اليابانية (سائوري كاتازاغي) أثناء تواجدها في العراق حيث أُعجبت بالرواية والنص العربي باعتبارها تجيد اللغة العربية وفكرتها تدور حول أمّ وأبّ وأبناء في احدى جزر اليابان , كان الرجل الطيب (أيزاناجي) سعيدا مع زوجته (أيزانامي) التي هي الاخرى امرأة طيبة ولكنّ هذين الزوجين الطيبين كانا يبدوان في أكثر الأحيان غير سعيدين ، لأنهما لم يرزقا بالأولاد , ولكن بعد كثرة صلواتهما ودعائهما وقد كانا من كبار السنّ فاستجاب الله لهما ورزقهما بثلاثة أبناء وابنة واحدة , وقد كانت البنت تمثل الشمس ومن بين الأطفال ظهر ابن سيء جدا حاول أن ينشر الشرّ في العالم , فتعاون أخوته جميعاً على إيقافه وتقويمه والعمل على نشر المحبة والسلام بين أطفال العالم ، وكانت هذه الأسطورة تعزز مفهوم المحبة والسلام والأخوة بين شعوب البشر.
وتناولت الرواية الطبيعة بمجملها , مثل الشمس والقمر والرياح والغيوم والأشجار والحيوانات والطيور، وهذه الرموز مهمة للطفل في حبّه للحياة وطبيعتها ، والرواية تشير إلى الرغبة في أن يسود التفاهم وأن يعم التعاون من اجل بناء الأوطان وتحقيق العدالة.
تعليقات
إرسال تعليق