: ( حمالة الحطب )/قصة قصيرة / لادارة صحيفة فنون الثقافية / الكاتبة نهاوند عبد الامير الكندي / العراق ,,,,,,,,,,,,,

 نص : ( حمالة الحطب )

- ارتمت بين يديّ والدها ، والجسد منها يرتعش ، وقلبها يكاد يتوقف عن الحياة ، وهي تتوسل بحرقة قالت : والدي حبا بالله أنقذني
- أشاح بوجهه المكتئب عنها ، كأن في أذانه وقر، وفي عينيه الرمد ، لا يسمع أو يرى ، بصوته الجهور قال : عجلوا وأبعدوها من هنا
- قبلت يديه ، وانحنت تقبل قدميه ، تشبثت بهما بقوة ، بشجن وانكسار قالت : اقتلني بيديك ، أو ادفني حية إن شئت ، أو احبسني حتى يتوفاني الله ، ولا تبالي بقلبي الصغير ، فأني بفعلك راضية
- يحاول أن يتخلص من قبضتها ، رفعها أليه ، والخوف ، والتوسل يملأن نظراته ، وهو يردد بصوته المرعب : ليس لك هنا مكان ، تقبلي قدرك الذي شاءه الله لك ، لا مجال للاختيار ، لو عاد الأمر مرات ومرات ، لما كان لي غير هذا الخيار
- حاولت مرارا ، وتكرارا ، ولكن تكللت كل محاولاتها بالفشل ، بيأس قالت : تبا لهذا الاختيار ، ساء ما تحكمون ، تلك إذا قسمة ضيزى ، ألتفتت إلى ذلك الركن من البيت ، الذي يمتلأ بضجيج النحيب وقالت : أماه لا تحزني ، أنا حمالة الحطب ، بدموع منهمرة مودعة إياها ، سائرة إلى مصيرها المجهول ، وبنظرات العتاب لوالدها قالت : لو كان الأمر بيدي ، بهذا البيت ما خلقت ، سارت مبتعدة عنه ، والألم يعتصر قلبها
- صفق الباب خلفها دون وداع ، وهي تسحب أمامه من بيتها ، كما تسحب الشاة إلى المسلخ ، بيد غرباء أشداء ، غلاظ القلوب ، متوحشين السمات ، سيرا على الأقدام ، تحت أنظار الشامتين ، رافعين بنادقهم ، وأصواتهم بالأهازيج تصدح مهللين ، كأنهم بالنصر من الحرب عائدين ، فتاة في التاسعة عشرة من عمرها ، حاسرة الرأس ، حافية القدمين ، تساق إلى قدرها الذي شاءه لها رجال الحرب والميادين
- مستغربة تنظر لهم قالت : بما أنتم فرحين ؟ رفقا بالقوارير ، رفقا بمن ليس لهنّ حول ولا قوة ، رفقا بمن خلقهنّ الله سكن لكم ، وجعل بينكم المودة والرحمة ، ألا بعدا لكم بما قست قلوبكم ، فهي كالحجارة ، أو اشد قسوة
- كالأسد يزأر ، والغضب يملأ ملامح وجهه ، صاح كبيرهم : لست منهنّ ، وقعت عليك كلمة الرجال ، تساقين الى مصيرك المحتوم ، وقع الحكم ، رفعت الأقلام ، وجفت الصحف ، فأنت بذاك
- مستهزئة قالت : تجارة لن تبور أبدا ، رجال رحماء بينهم ، على النساء أشداء ، ألا ساء ما تحكمون
- رماها كبيرهم أرضا وصاح : خذيها أيتها الأم الموجوعة ، سوميها سوء العذاب ، مزقي جسدها المفعم بالحياة ، وأطفئي قلبها ، وخضبي الشيب من دمها ، فهذه بذاك ...
- بروح محطمة تماما ، تلقفتها الأم الثكلى بابنها المقتول غدرا ، تطيل النظر أليها ، تتفحص تقاسيم وجهها الطفولي ، بابتسامة حزينة ، هدأت من خوفها ، ضمتها إلى صدرها المكلوم و قالت : هذه بذاك ؟ ما أنصفتم ، ولا بالحق عادلين ، تسعة عشر مقابل الثلاثين ؟
- قال كبيرهم : هذه دية ما أريق من دمائنا
- بالعدل نطقت الأم : وهل الله قطع من وقته ليخلقها دية لأبني ؟ هل خلقت وعلى جبينها مكتوب دية ؟ العين بالعين ، و السن بالسن ، والبادئ اظلم ...
قد تكون صورة لـ ‏‏‏شخص واحد‏، ‏وقوف‏‏ و‏حجاب‏‏

أعجبني
تعليق
مشاركة

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

لحن الحنين/ نص لينا ناصر / لبنان ..................

من رواد الآرت نوڤو: ألفونس موتشا/ مقال للناقد محمد خصيف / المغرب ,,,,,,,,,,,,,,,,,,

رؤى .../ نص للكاتبة مها سلطان / مصر.............